31.5.11

لاستقبال رمضان، هلال واحد قد لا يكفي

مقال بقلم روضة السالمي، صحفية علمية
في أواخر شهر شعبان من كلّ سنة يطرح المسلمون في كلّ بلدان العالم، والذين يبلغ عددهم قرابة 1,6 مليار، نفس السؤال "متى نصوم رمضان؟". وككلّ سنة، تختلف الدول الإسلامية في تحديد موعد اليوم الأوّل من شهري رمضان وشوّال. ولئن تقضي هذه الدول طيلة السنة في اتفاق شبه تام على مواعيد بدايات الأشهر القمرية، فإن اختلافها يتجلى في تحديد آخر يوم من شهر شعبان وبالتالي أوّل يوم في رمضان، فتعلن دول بداية شهر الصيام بناء على الحسابات الفلكية، فيما تعلن دول أخرى بدايته بناء على رؤية الهلال.
ويمتدّ هذا الاختلاف ليشمل كيفية اعتماد الحسابات الفلكية. ففي حين يجيز البعض اعتمادها في النفي فقط، فإذا جاء من يشهد برؤية الهلال ودلّت الحسابات الفلكية على أن رؤيته مستحيلة أو غير ممكنة لا يتمّ قبول هذه الشهادة؛ هنالك من يرفض اعتماد الحساب الفلكي سواء بالنفي أو الإثبات، وتقبل شهادة كلّ من يقول برؤية الهلال، رغم نفي الحسابات الفلكية إمكانية رؤيته؛ ويجيز فريق آخر اعتماد الحساب الفلكي في النفي والإثبات، بحيث إذا ما دلّت هذه الحسابات على وجود القمر بعد غروب الشمس بوضع يسمح برؤيته كهلال، يتم الأخذ بذلك ويكون اليوم الموالي هو أول أيام الشهر الهجري دون اشتراط رؤيته بالعين المجردة. ويعتبر كلّ من البتاني (‏850‏ ـ‏929‏م‏)،‏ والبيروني (‏973 ‏ـ‏1048‏م‏)،‏ ونصير الدين الطوسي (‏1201‏ـ‏1274‏م)، من أبرز العلماء المسلمين القدماء، الذين دعوا إلى ضرورة اعتماد الحساب الفلكي في تحديد أوائل الأشهر الهجرية.
وينسب ظهور التقويم الهجري، الذي يستخدمه المسلمون لتحديد المناسبات الدينية، إلى الخليفة عمر بن الخطاب (584- 644م)، كرّم الله وجهه، الذي جعل من تاريخ هجرة الرسول الأكرم من مكة إلى المدينة، في 16 جويلية 622م، مرجعاً للتقويم الهجري، مع مواصلة اعتماد أسماء الأشهر المستخدمة منذ أيام الجاهلية.
والسنة القمرية، التي يعتمدها التقويم الهجري في غالبية البلدان الإسلامية (ما عدا جمهوريّة إيران الإسلاميّة وأفغانستان، وجزء من تقويم أم القرى التي تعتمد التقويم الهجري الشمسي)، هي المدة التي يقضيها القمر ليتمّ 12 دورة حول الأرض، مستغرقا ما يعادل 354,36667 يوماً، ويعني أذلك بأنها أقصر بقرابة 11 يوماً من السنة الشمسية المعتمدة في التقويم الميلادي. ونظراً لكون الدورة القمرية الواحدة حول الأرض (بالنسبة إلى المراقب من الأرض) تستغرق 29.530588 يوماً، فإن طول الشهر القمري يكون إما 29 أو 30 يوما.
وتتأثّر رؤية الهلال الضرورية لمعرفة بداية شهر رمضان، بعمر القمر وبعده الزاوي عن قرص الشمس، وارتفاعه عن مستوي الأفق وقت الغروب، وبعده عن الأرض، وطبيعة الظروف الجوية وشفافية الهواء‏.‏ إذ تستلزم رؤية الهلال ألا تقل زاوية ارتفاع القمر عن الأفق في لحظة غروب الشمس عن ‏5‏ درجات قوسية، وألا يقل بعده الزاوي عن الشمس ‏8 درجات قوسية‏.‏ وأجمع علماء الفلك على ضرورة صحو الطقس، وغروب الشمس قبل القمر بأكثر من نصف ساعة، حتى لا يحول ضوء الغروب رؤية الهلال بالعين المجرّدة. وعادة ما لا تتجاوز عملية رصد هلال رمضان، والتي تنطلق بعد غروب شمس اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، الساعة تقريبا، بحيث يتمّ تصويب النظر في اتجاه الأفق الغربي، قرب مغطس الحاجب العلوي للشمس. وغالبا ما تصعب رؤية القمر بسبب قربه من الشمس وتأثره بالضوء الناجم عن الشفق، وصغر الجزء المضاء منه من ناحية، وارتفاع نسبة الرطوبة، وكثافة الغبار والغيوم، ووجود بناءات مرتفعة أو جبال، أو مصادر النور الكهربائي من ناحية أخرى، بما يؤثّر على وضوح الرؤية وإمكانيات الرصد.
ورغم تطوّر المناظير الفلكية، ووجود برمجيات تعتمد على المعادلات الرياضية وقادرة على تتبّع حركة القمر بفضل المراصد والأقمار الاصطناعية، وتعمل على تيسير الرؤية السليمة للهلال لحظة ميلاده الذي قد يكون ضوئه خافتا بسبب قربه من قرص الشمس وتأثّره بتلوّث الغلاف الجوّي، إلا أنّ الجدل حول كيفية تحديد أوّل أيام شهر الصيام وأوّل أيام العيد ما يزال قائما، وكأنّه طقس من طقوس الاستعداد لاستقبال شهر رمضان، ناهيك عن مناداة البعض بوجوب اعتماد رؤية قمرية واحدة لدى كلّ بلدان العالم الإسلامي ما دامت تشترك جميعها في جزء من الليل، ومناداة البعض الآخر بضرورة إتباع التقويم القمري للسعودية، ودعوة فريق ثالث بوجوب اعتماد رؤية هلال رمضان في كل بلد على حدة. وهكذا تدور الأرض حول الشمس دورة جديدة، وننسى طيلة السنة اختلافنا لنتذكّره في أواخر أيام شعبان، فكلّ رمضان ونحن متفقين على اختلافنا.
روضة السالمي، صحفية علمية

يوم الشريط الوثائقي التونسي 30 مارس 2024 بمدينة العلوم بتونس

  انطلاقا من دورها في المساهمة في تطوير ونشر الثقافة العلمية والتكنولوجية، وفي إطار برنامجها السنوي لعام 2024، وانطلاقا من أهمية الأشرطة الو...