28.2.11

الجبار والثريا

كان في قديم الزمان عملاق جبار يعيش باليونان اسمه أوريون Orion. وكان هذا الجبار الذي يعيش في كهف كبير، بجوار عملاق اسمه أطلاس Atlas وزوجته وبناته السبع وهنّ أستيروبي Astérope، ميروبي Mérope، الكترا Électre، مايا Maïa، طيجاتي Taygète، سيلاينو Célaéno، السيوني Alcyone، يخرج كلّ يوم للصيد بمساعدة كلبيه الوفيين من دون أن يرى أحدا من جيرانه.

وفي أحد الأيام، خرجت ميروبي إحدى بنات العملاق أطلاس السبع، للتمتّع بدفء الشمس، فرآها الجبار أوريون، الذي شغف بجمالها ووقع في غرامها، وبادلته هي نفس الشعور. وفي غفلة من الأب الذي كان يريد تزويجها من عملاق ثري آخر، كان الحبيبان يمضيان أوقاتا سعيدة. وذات يوم اكتشف الأب أطلاس خلوة ابنته ميروبي مع الجبار أوريون، فاستشاط غضبا. وليمنعه من رؤية ابنته مجدّدا، أجبره على احتساء شراب أفقده البصر.

وقال أطلاس للجبار أوريون:
-         لكي تستعيد نظرك، عليك أن تبصر نور الفجر.. فامض في طريقك حتى يلوح لك، وعند عودتك، صارع كل الوحوش التي تعترض طريقك، وإذا انتصرت عليها سيكون في مقدورك رؤية ميروبي مجدّدا...

وكان أطلاس مقتنعا بعدم قدرة الجبار على النجاة من هذه المغامرة. غير أن الجبار، المتمرّس بالصيد والمندفع بعاطفة الحبّ الجياشة، قرّر السفر إلى حيث تشرق الشمس. مستعينا بابن صديقه سيدايون Cédalion، الذي حمله على كتفه ليرشده في رحلته. انتصب الطفل مليا على كتف الجبار، ودلّه على الطريق إلى أن لاحت ألوان الشفق الخلابة أمام ناظري أوريون وارتدّ بصيرا.

وفي عودته لموطنه، اعترض أرنب بري وثور وحشي طريق الجبار، فتغلّب عليهما. وعندما أوشك على الوصول إلى كهفه لسعته عقرب في قدمه لسعة مميتة. ولمّا أحسّ الجبار بدنوّ أجله، طلب من زوس Zeus، كبير الآلهة، أن يحوّله إلى كوكبة نجوم حتى يتمكّن من رؤية حبيبته ميروبي. فلبى زوس طلبه، رأفة به.

وعندما بلغ الأمر ميروبي، طلبت بدورها من زوس أن يحوّلها هي وأخواتها إلى نجوم، احتجاجا على والدها، ولتكون قرب حبيبها أوريون، فاستجاب لها زوس وحوّلهن إلى Pléiades. وحوّل كلبي الجبار إلى كوكبتي الكلب الأكبر Alpha Canes Majoris والكلب الأصغر Canis Minor، وكذلك فعل مع كلّ الحيوانات التي اعترضت طريق الجبار بعد أن أبصر نور الفجر.

ومنذ ذلك العهد، يمكن لسكّان شمال الكرة الأرضية، في الليالي الصافية، أن يروا الثريا مستغرقة في تأمّل الجبار مع كلبيه الوفيين، وهو يشدّ قوسه، وغير بعيد عنه الأرنب البري والثور الوحشي. أما كوكبة العقرب، قاتل الجبار والذي قضى على آماله، وحطّم قلبه، فلا يظهر معه أبدا، فما إن يغرب أحدهما حتى يشرق الآخر.

يوم الشريط الوثائقي التونسي 30 مارس 2024 بمدينة العلوم بتونس

  انطلاقا من دورها في المساهمة في تطوير ونشر الثقافة العلمية والتكنولوجية، وفي إطار برنامجها السنوي لعام 2024، وانطلاقا من أهمية الأشرطة الو...