15.5.14

التلوّث السمعي-روضة السالمي


الضوضاء أو ما اصطلح على تسميته بالتلوث السمعي هو أحد سمات هذا العصر.
إنه ذلك الخليط المتنافر من الأصوات ذات الاستمرارية غير مرغوب فيها، وتحدث عادة في المناطق الحضرية والصناعية.

ولكن قبل أن نتعمّق في موضوع التلوّث السمعي لنبدأ أوّلا بتحديد ما هو الصوت.

إنه عبارة عن طاقة تصدر من اهتزاز أي جسم يتحرك بسرعة، و تكون هذه الطاقة على شكل موجات تنتقل في الهواء.  ولكي يكون للصوت وجود، لابد له من مصدر يحدثه، ومن وسيط ينقله، وأيضاً لابد من أذن تسمعه حتى تحس بوجوده. وينتقل الصوت في الهواء على شكل موجات بسرعة واحدة هي 700 ميل في الساعة (330 متراً في الثانية) ، وتقاس سرعة الصوت بوحدة الديسيبل الذي هو أدنى فرق بين صوت وآخر تستطيع الأذن البشرية أن تحسه.

وتشترك جميع الكائنات في إصدار الأصوات، وينفرد الإنسان بإصدار الأصوات المزعجة في شكل ضوضاء تنقسم إلى أنواع مختلفة حسب مسبّباتها ودرجة ارتفاعها وحدّتها.

ومن أهمها ضوضاء وسائل المواصلات والطرق، والضوضاء الاجتماعية أي التي تحدث في المحيط السكني، و ضوضاء المصانع وضوضاء المياه.  ويتم استخدام الدسيبيل لقياس مستوى الصوت.

تتصدّر الضوضاء الاجتماعية قائمة التلوّث السمعي، ويتمثل مصدرها في علاقات الجوار وهي تنبعث من الحيوانات الأليفة مثل الكلاب، والأنشطة المنزلية كتشغيل التلفاز بصوت مرتفع، واستعمال رنة في الهاتف الجوّال، واستعمال أدوات المطبخ لتحضير العصائر مثلا، أو آلة غسل الثياب والمكنسة الكهربائية، واستعمال مجفّف الشعر. أصوات الجيران المرتفعة، وخاصة خلال مواسم الأعراس، وغيرها من المنغصات الصوتية اليومية الأخرى.

أما ضوضاء وسائل النقل فتتمثل في ضوضاء الطرق والشوارع بما تحمله من أبواق سيارات وصوت محركات هادرة، وأصوات القطارات المارة والطائرات المحلّقة.

الضوضاء الصناعية ليست فقط تلك الضجّة التي تنبعث من المصانع  وإنما تنضوي تحتها الضجّة التي تمتلئ بها أماكن العمل انطلاقا من أصوات الزملاء ورنين الهاتف وتشغيل الآلات الناسخة، وصوت لوحة المفاتيح وفأرة الحاسوب وصولا إلى أصوات أجهزة التكييف، وتستمد هذه الضجّة خطورتها من كونها تستمر 8 ساعات في اليوم وخمسة أيام في الأسبوع من دون انقطاع تقريبا ومن دون القدرة على الابتعاد عنها أو تخفيفها.

ضوضاء الماء، قد يبدو ذلك غريبا إلا أن المحيطات وحتى الشواطئ تضج بالملوثات السمعية، فصوت  محركات السفن أو حتى صوت بعض الأسماك وإن لم نكن نسمعها تؤثر بصفة كبيرة على الكائنات البحرية. وبازدياد هذه الضوضاء يزداد الخوف من عدم مقدرة الحيتان على التواصل مع بعضها البعض مما يؤثر على الهجرة الجماعية للحيتان ومن ثمَّة مقدرتها على التكاثر وتعرضها إلى خطر الانقراض.

مقياس الضوضاء:
الديسيبل هو وحدة لقياس شدة الصوت، فعلى سبيل المثال 0 ديسيبل هي عتبة الصوت المسموع، وتمثّل 10 ديسيبل شدة حفيف أوراق الأشجار الهادئ، وما بين 90 و100 ديسيبل هو شدة صوت الرعد، 130 ديسيبل تمثل عتبة الألم عند الإنسان، 140 ديسيبل تمثل شدة صوت إطلاق صاروخ إلى الفضاء.

وحسب تقرير منظمة الصحة العالمية فإن معدل الضوضاء المقرر عالميا هو كالتالي:
من 25 – 40 مقبول في المناطق السكنية
من 30 – 60 مقبول في المناطق التجارية
من 40 – 60 مقبول في المناطق الصناعية
من 30 – 40 مقبول في المناطق التعليمية
من 20 – 35 مقبول في المناطق المستشفيات

الآثار المترتبة على الضوضاء
ينجرّ عن التعرّض المتواصل إلى الضوضاء عديد الآثار الصحية والبيئية والاجتماعية

فعلى الصعيد الصحي تتأثّر الدورة الدموية بالأصوات المرتفعة.
فالأصوات العالية المفاجئة تجعل الشعيرات الدموية تتقلص. وتحدث ذبذبات في الجلد، وربما تحدث تغييرات في نشاط الأنسجة.
ويؤدي التعرض للضوضاء لفترات طويلة إلى الإصابة بالصداع وآلام الرأس وحدوث انقباض في الأوعية الدموية، وارتفاع في ضغط الدم عن طريق إثارة مركز انقباض الأوعية الدموية في المخ. ولعل هذا هو أحد العوامل المؤدية إلى زيادة نسبة مرضى ضغط الدم بين سكان المجتمعات الصناعية عنه بين سكان المجتمعات الريفية والبدائية.

وقد يعاني الذين يتعرضون للضوضاء من ضعف في السمع قد يتطوّر ليصبح صمما كاملا ومستديما

وليس الجهاز العصبي بمنأى عن الأعراض المترتّبة عن التلوّث السمعي. فعندما تندفع الموجات الصوتية إلى الجهاز العصبي على شكل إشارات كهربائية وتعبر الألياف العصبية لتصل إلى لحاء المخ، تتعرّض خلايا هذا اللحاء إلى التهيّج، وهو ما يعبّر عنه بالتهيج اللاإرادي، الذي يؤثر على الكثير من أعضاء الجسم كالقلب الذي يسرع في دقاته ، والجهاز الهضمي الذي تتقلص بعض عضلاته حيث تزيد إفرازات المعدة، و يؤدى أيضا إلى ارتفاع نسبة السكري في الدم .
كما يمكن اعتبار التقلب المزاجي والشعور بالضيق و فقدان الشهية، وفقد التركيز وخاصة في الأعمال الذهنية، الذي يشكو منه الكثيرون في العصر الحديث انعكاسا للتعرّض للضوضاء بصورة مستمرة، مما يؤدى إلى الأرق وارتفاع مستوى الكوليسترول في الدم. وتشير بعض الدراسات إلى أن الضوضاء التي تزيد على خمسة ديسبل قد تعيق تنمية ملكة القراءة لدى الأطفال.

إن الأصوات هي جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فهي وسيلة ناجعة للتواصل وتمدنا بالمتعة في شكل أنغام موسيقية أو أصوات الطيور، ولكن الإسراف في استعمالها وعدم احترام القوانين والتراتيب ولّد تلوّثا سمعيا بات مصدر إزعاج وأمراض عديدة. تجدون في الرابط التالي حوارا أجريته مع الدكتورة سنية عبد الحق، من معهد باستور بتونس، والدكتورة ريم زعينين مختصة في أمراض الأنف والأذن والحنجرة.
http://www.youtube.com/watch?v=uYCR28Yb6e4

يوم الشريط الوثائقي التونسي 30 مارس 2024 بمدينة العلوم بتونس

  انطلاقا من دورها في المساهمة في تطوير ونشر الثقافة العلمية والتكنولوجية، وفي إطار برنامجها السنوي لعام 2024، وانطلاقا من أهمية الأشرطة الو...