22.3.11

ونَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْـواً وَيَشْـرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَـا


مقال بقلم روضة السالمي، تونس 22 مارس 2011

تستيقظ سماح ذات 14 ربيعا، والمولودة في إحدى القرى النائية، يوميا عند الخامسة صباحا، وقبل أن تذهب إلى معهدها، تحمل الأواني البلاستيكية على ظهر حمارها العجوز، لتملأ من نقطة توزيع المياه البعيدة عن بيتها بعض الكيلومترات، ما يكفيها وعائلتها طيلة اليوم. وفي نفس ذلك الوقت تقريبا تستيقظ سماح أخرى، هي أيضا لها من العمر 14 ربيعا، تفتح صنبور المياه الذي يتدفّق منه، وبكل بساطة وتلقائية فيض من المياه الدافئة، فتملأ سماح المغطس لتغتسل، ثم تتناول غذاء صحيا تختمه بجرعة ماء غازية، لأن الماء الغازي المعبّأ في قوارير، حسب أحدث الإعلانات الإشهارية، ينقي البشرة ويساعد على الهضم، وقبل أن تبدأ دروسها عند الساعة الثامنة صباحا، تتجه سماح إلى نادي الرياضة وفي حقيبتها قارورة مياه، فمياه الحنفية تصلح فقط للتنظيف وسقي الأزهار.
لن أقول بأن سماح الريفية ستنجح في دراستها أكثر من سماح الحضرية، لأن النجاح مرتبط قبل كلّ شيء بقدرة الإنسان على الصمود أمام محبطات ندرة الموارد أو مغريات وفرتها، لكن الفرق الجوهري بين البنتين هو في تقدير قيمة الماء الصالح للشراب. ولكن سماح الريفية، يمكنها أن تعتبر نفسها محظوظة بالقياس إلى ياتوندي (Yetunde) من نيجيريا (Nigéria) أو تابورا (Tabora) من تنزانيا (Tanzanie)، لأنهما، منذ أن وجدتا على هذا الكوكب الأزرق لم تشربا سوى من المياه الراكدة والمستنقعات، ولا تعرفان من المياه المعلّبة سوى زجاجات الكوكاكولا. ورغم أن الكثير من أفراد قبيلة ياتوندي وتابورا توفوا جراء إصابتهم بأمراض الماء كالكوليرا (le choléra)، والتيفويد (la typhoïde)، والتهاب الكبد (les hépatites)، والإسهال (la diarrhée)، فإن هاتان الفتاتان ومئات ملايين الأفارقة ما زالوا يشربون كدرا وطينا.
وفي تقرير نشرته بمناسبة اليوم العالمي للمياه، الذي حمل هذه السنة شعار "المياه للمدن: كيفية مجابهة التحدي العمراني"، حذّرت الأمم المتحدة، من "أن يؤدي عدم اتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة لتوصيل المياه الصحية والآمنة الى زيادة عدد المحرومين منها الى 2,3 مليار سنة 2025". كما تتوقّع الأمم المتحدة أن يواجه 7 مليارات إنسان في 60 بلدا شحا في الموارد المائية، وتكاد تحتكر قارة إفريقيا لنفسها شرف احتضان هذه الأزمة الإنسانية القادمة، حيث تمثّلها كلّ من نيرجيريا (le Nigeria)، والنيجر، (le Niger)، وبوركينا فاصو (le Burkina Faso)، وطنزانيا (la Tanzanie)، والموزمبيق (le Mozambique)، والزيمبابوي (le Zimbabwe)، ومملكة ليسوتو (le Lesotho)، ومملكة سوازيلاند (le Swaziland)، واريتريا (l’Erythrée)، وجزر موريس (l’île Maurice). أما صدارة هذه القائمة السوداء فتحتلها المغرب (le Maroc)، والجزائر (l’Algérie)، وتونس (la Tunisie)، وفلسطين (la Palestine)، ومصر (l’Egypte)، ولبنان (le Liban)، والأردن (la Jordanie)، واليمن (le Yémen)، وجيبوتي (Djibouti)، والصومال (la Somalie)، وأثيوبيا (l’Ethiopie)، وكينيا (le Kenya)، وجنوب إفريقيا (l’Afrique du Sud).
وفي انتظار حلول سنة 2025 لنتأكد من صحّة هذه التوقعات، ستواصل سماح الحضرية وربما أبنائها استهلاك المياه المعلّبة والمساهمة في تلويث البيئة بمخلفاتها البلاستيكية، إن لم تنخرط في حملة لترشيد واستهلاك الماء، وستنتقل سماح الريفية بعد نجاحها في دراستها إلى العاصمة لتساهم بدورها وعلى طريقتها في استغلال الموارد المائية الشحيحة، فيما ستواصل ياتوندي وتابورا كفاحهما من أجل البقاء رغم الحروب الأهلية، والمجاعة، والسيدا، والأوبئة، وستحتفل بلدان العالم كلّ سنة بيوم 22 مارس يوما عالميا للمياه، وستواصل الولايات المتحدّة الأمريكية بحثها المستميت عن الماء فوق سطح المريخ، وبالتأكيد ليس لتفريقه على الظمآنين في العالم...

15.3.11

وصية المرحوم


يحكى أن رجلا ثريا جدا يملك 11 سيارة نادرة، يبلغ ثمن كل واحدة منها 25.000 دولار. وعندما توفي هذا الثري، لاحظ محامي العائلة أنه وضع شروطا غريبة في وصيته. فقد قسم تركته من السيارات على أبنائه الثلاثة الذكور بالطريقة التالية: يحصل الابن الأكبر على نصف السيارات، الربع للابن الثاني والسدس للابن الثالث. عندها عمت الفوضى الجميع: كيف يقسمون 11 على 2 وعلى 4 وعلى 6 ؟

تناقش الأبناء طويلا ثم استقر رأيهم على استشارة السيدة صفر حلاّلة المشاكل الرياضية العويصة. وجاءت السيدة صفر على متن سيارتها التي أوقفتها إلى جانب السيارات الأحد عشر موضوع التركة. ثم قالت للورثة: كم لدينا الآن من سيارة هنا ؟ فلما احتسبوا مجموع السيارات وجدوها 12. ثم قامت السيدة صفر بتنفيذ رغبة المرحوم فأعطت الابن البكر نصف السيارات الموجودة أي 6 والطفل الأوسط ربع السيارات أي 3 والصغير السدس أي سيارتان.

ثم قالت : 6 + 3 + 2 = 11 والسيارة الباقية هي لي.

هذه المفارقة هي نسخة متطورة من مفارقة عربية قديمة تتعلق بالخيول وليس بالسيارات. ويمكننا تنويع عدد السيارات الموروثة وطريقة تقسيمها إلى ما لا نهاية له شريطة أن يقع اقتراض سيارة وإعادتها في الأخير لصاحبها.

يمكننا مثلا تخيل أن هنالك 17 سيارة علينا قسمتها على 2، ثم على 3 ثم على 9. يمكننا أن نفترض بأن هنالك س سيارة والعمليات الثلاثة على التوالي أ/1 ب/1 ج/1:
س/(1+س)=1/أ+1/ب+1/ج

يمكننا جعل هذه المسألة أصعب من خلال التكثير في عدد الورثة وعدد السيارات التي سيتم اقتراضها.

يكمن السر في هذه المفارقة في أن مجموع المنابات الموروثة لا يساوي 1. فلو قمنا من أجل تنفيذ الوصية بقسمة سيارة لبقي لنا 11/12 من السيارة.

سـحـر الـمـفـارقـات، مارتن غاردنر، ترجمة وتقديم روضة السالمي

9.3.11

الرقم السحري


 هل تعرف بأن للرقم 9 عديد الخصائص الغامضة؟ هل تعرف مثلا بأن الرقم 9 يختفي في تاريخ ولادة ووفاة كل الشخصيات المشهورة؟ لنأخذ مثلا لويس السادس عشر. لقد قطع رأسه بالمقصلة يوم 21 جانفي 1793. اكتبوا هذا التاريخ على شكل أرقام: 2111793. ثم قوموا بخلط هذه الأرقام لتحصلوا على رقم مختلف مثلا: 7121139. ثم قوموا بخصم العدد الصغير من العدد الأكبر منه. مثال: 7121139 – 2111793 = 5009346.
قوموا بعد ذلك بجمع الأرقام كالتالي: 6+4+3+9+0+0+5 المجموع هو: 27، و7 + 2 = 9.
لو تقومون بمثل هذه العملية الحسابية مع أي شخصية مشهورة ستحصلون دائما على 9. فهل توجد علاقة غامضة بين تاريخ ولادة أو وفاة المشهورين مع الرقم 9؟
لو تقومون الآن بنفس العملية الحسابية مع تاريخ ولادتكم، ستحصلون على نفس النتيجة أي 9. فهل يعني ذلك أنكم مشهورون؟
عندما نقوم بجمع كل أرقام عدد ما، ثم نقوم بنفس العملية السابقة حتى نتحصل في النهاية على رقم واحد وهو ما يطلق عليه علماء الرياضيات "الجذر الرقمي" للعدد الأول. وعندما نقسم أي عدد على الرقم 9، سيساوي الرقم المتحصل عليه الجذر الرقمي، وذلك ما اصطلح على تسميه "البرهنة بالتسعة".
قبل ظهور الآلات الحاسبة، كان خبراء المحاسبة يستعملون البرهنة بالتسعة لمراجعة عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة بالنسبة للأرقام الكبيرة. عندما نقوم مثلا بإنقاص أ من ب للحصول على ج، يمكننا التثبت من العملية من خلال طرح الجذر الرقمي أ من الجذر الرقمي ب حتى نتأكد من أن النتيجة تعطي بالفعل الجذر الرقمي ج. عندما تكون نتيجة الطرح صحيحة تتساوى الجذور الرقمية، غير أن ذلك لا يعني أن العملية الحسابية صحيحة: هنالك ثمانية فرص من تسعة حتى تكون النتيجة صائبة. أما إذا ما كانت الجذور الرقمية غير متساوية فإن المحاسب يعرف أنه ارتكب خطأ ما.
يوضح لنا هذا المثال الذي بدأنا به هذه المفارقة أن هنالك خدعة جميلة موجودة في عملية احتساب الرقم 9 في تواريخ ولادة أو وفاة المشاهير.
لنأخذ مثلا عددا نسميه ع مكون من عدة أرقام. عندما نخلط هذه الأرقام نحصل على عدد جديد هو ع 1 ومن الواضح أن لـ ع و ع 1 نفس الجذر الرقمي. ولذلك فإن طرح الجذر الرقمي للعدد ع أو ع 1 سيعطينا 0 بما أن 9 عندما يقسم على 9 يعطي 0 يعني أن الصفر يساوي 9، أي أن له نفس قيمة 9.
هذا الرقم 0 أو 9 هو الجذر الرقمي للفارق ما بين ع و ع 1. انتبهوا لا يمكنكم الحصول على صفر إلا إذا كان العدد الأول هو نفس العدد الثاني، لذلك وحتى تحصلوا على رقم 9 وتذهلوا أصحابكم عليكم أن تقوموا بخلط الأرقام بصفة جيدة خاصة حين يتعلق الأمر بتواريخ الولادة.
لا يفوتني أن أخبركم على لعبة سحرية أخرى تتعلق بالرقم 9. لنفترض مثلا أن أحد أصدقائكم كتب خلسة حتى لا ترونه رقم مصرفي لورقة مالية. ثم قام بخلط الأرقام حتى تحصل على رقم مختلف ومن ثمة قام بطرح العدد الصغير من العدد الكبير. ويطلب منه أحدكم أن يمحو رقما ما من النتيجة التي حصل عليها (عليه ألا يقوم بأي تمويه ويمحو رقما بالفعل) ويقرأ الأرقام المتبقية بصوت مرتفع وفي أي ترتيب يراه مناسبا. وتقومون أنتم بعملية جمع ذهنية للأرقام التي يقرؤها وستفاجؤنه بالتأكيد حين تخبرونه بالرقم الذي حذفه.
السر واضح. فالفارق ما بين الرقمين سيكون له جذع رقمي يساوي 9. عندما يقرأ صديقكم الأرقام بصوت مرتفع تقومون أنتم بالجمع من دون الأخذ بعين الاعتبار رقم تسعة. وعندما ينتهي اطرحوا العدد الأخير المتحصل عليه من تسعة وستجدون الرقم المحذوف. مثلا عندما تجدون أن الجذر النهائي هو 9 فإن 9 هو الرقم الذي حذفه صديقكم.
سـحـر الـمـفـارقـات، مارتن غاردنر، ترجمة وتقديم روضة السالمي



4.3.11

الذي يبيع بيضة..

باع دوني إحدى لوحاته لجورج بـ500 دولار. علق جورج اللوحة في بيته غير أنه مل منها بعد أيام فأعادها لدوني مقابل 400 دولار. وبعد ذلك بأسبوع أعاد دوني بيع اللوحة لجيرار بـ450 دولار. قال دوني في نفسه بأنه حقق ربحا لا بأس به. لقد بعت اللوحة في البداية بـ500 دولار وهو مبلغ غطى تقريبا كلفة المواد التي استعملتها والوقت الذي قضيته في رسمها. ثم استعدتها بـ400 دولار وأعدت بيعها بـ450 دولار ما يعني أنني حققت ربحا بـ50 دولارا.
إلا أن جورج يرى الأمور بشكل مختلف. لقد قام مدعي الفن هذا ببيعي لوحة بـ500 دولار ثم اشتراها مني بـ400 دولار. يعني أن ربحه الصافي هو 100 دولار. ولن نهتم بمسألة بيعه لها مرة أخرى بـ450 دولار لأن هذه اللوحة في الحقيقة لا تساوي أكثر من ذلك.
ويرى جيرار أن دوني ربح 100 دولار حين باع اللوحة بـ500 دولار ثم استعادها بـ400 دولار. ثم ربح 50 دولارا أخرى بعد بيعها مرة ثالثة بـ450 دولار. يعني أنه ربح 150 دولارا.
وأنتم ما رأيكم، هل كان الربح الحقيقي: 50 أو 100 أو 150 دولارا؟
لو فكرنا مليا في هذه المسألة لوجدنا أن كل الإجابات يمكن أن تكون صحيحة. فمن المستحيل معرفة الربح الحقيقي لأن المعطيات حول المصاريف التي أنفقها دوني على اللوحة غير محددة. لنترك مسألة الوقت الذي أنفقه في الرسم ولنقل بأن تكلفة قماش الرسم والإطار والألوان تساوي 100 دولار. بعد ثلاث عمليات بيع تحصل الرسام على 550 دولارا. إذا ما أقررنا بأن الربح الصافي هو الفارق بين الأموال المتحصل عليها والمصاريف، يمكننا القول بأن الربح هو 450 دولارا.
وبما أننا نجهل تماما تكلفة المواد التي استعملها (لا يسعنا إلا أن نضع لها قيمة ما) فإنه لا يمكننا بأي حال أن نعرف مقدار الربح الحقيقي الذي حققه هذا الرسام.
يعتقد البعض بأن هذه المسألة هي مسألة رياضية إلا أنها في الواقع مسألة لغوية تتعلق بتعريف مصطلح الربح. تذكرنا هذه المفارقة بمسألة قديمة حول الشجرة التي تسقط في الغابة، هل لسقوطها على الأرض من وقع أم لا؟ حتى ولو لم يكن هنالك شخص لسماع ذلك؟ يمكننا الإجابة بنعم أو لا، يتوقف ذلك على المعنى الذي نعطيه لكلمة وقع.
---
مترجم عن كتاب "سـحـر الـمـفـارقـات" (La magie des paradoxes) لمارتن غاردنر (Martin Gardner) ترجمة وتقديم روضة السالمي 2004، نشر ضمن المجلة العلمية للفتيان الصادرة عن الألكسو.

ولد مارتن غاردنر يوم 21 أكتوبر سنة 1914 بالولايات المتحدة الأمريكية، وتوفي يوم 22 ماي 2010. اهتم منذ طفولته بالعلوم الصحيحة والألعاب السحرية، و في دراسته الجامعية توجه نحو الفلسفة حيث تحصل على الإجازة فيها سنة 1936.
اشتغل في الصحافة والتأليف وتقديم عروض السحر حتى الحرب العالمية الثانية التي شارك فيها. وبعدها أصبح كاتبا حرا كتب الشعر وروايات الخيال العلمي والقصص للفتيان.
كتب مارتن غاردنر وشارك في تأليف ما لا يقل عن 800 كتاب في ميادين علمية متعددة منها العلوم والفلسفة والمنطق واشتهر بالخصوص بكتبه في الرياضيات وفي الألعاب الفكرية وقد ترجمت معظم مؤلفاته إلى لغات عديدة.
يعتبر غاردنر من بين الأوائل الذين حاولوا ووجدوا صيغة ملائمة للجمع بين التسلية والفلسفة والمنطق الرياضي. وقد أطلق عليه المعهد الأمريكي للفيزياء سنة 1983لقب الكاتب العلمي.

يوم الشريط الوثائقي التونسي 30 مارس 2024 بمدينة العلوم بتونس

  انطلاقا من دورها في المساهمة في تطوير ونشر الثقافة العلمية والتكنولوجية، وفي إطار برنامجها السنوي لعام 2024، وانطلاقا من أهمية الأشرطة الو...